تفسيرسورة البقرة الآيات 01-05
هي أطول سورة في القرآن الكريم، والثانية في الترتيب، وهي سورة مدنية بالإجماع
عدد آياتها: 286.
عدد كلماتها: 6221.
عدد حروفها: 25500.
تشتمل على: 100 نهي، 100 أمر، 100 خبر، و100 حُكم.
تسميتها:
سميت بهذا الاسم لورود قصة رجل من بني إسرائيل قُتل ولم يعرف قاتله، فذهب القوم إلى سيدنا موسى عليه السلام وعرضوا عليه الأمر فأوحى إليه الله تعالى يأمرهم بذبح بقرة و ضرب الميت بجزء منها فترد إليه روحه بإذن الله، ويخبرهم عن قاتله، وهي معجزة حسية تبين قدرة الله عز وجل على إحياء الخلق بعد الموت.
فضلها:
قال النبي صل الله عليه و سلم: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) أخرجه الإمامان مسلم والترمذي.
محتوياتها:
احتوت على العديد من الأحكام التشريعية في:
● العقائد.
● العبادات.
● المعاملات.
● الأخلاق.
كما تحدثت عن صفات: المؤمنين والكفار والمنافقين.
وفصلت الحديث عن أهل الكتاب: اليهود والنصارى.
تفسير الآيات:
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) ) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(5)
تتناول صفات صنف من الناس وهم المتقون:
﴿الم﴾ ثلاثة حروف مقطعة تقرأ: ألف، لام، ميم، قد وردت تسع وعشرون سورة مفتتحة بالحروف المقطعة، منها:
● أحادية: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ(1)﴾ ص، ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ(1)﴾ القلم، و( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ(1)﴾ ق.
● ثنائية: ﴿طه(1)﴾ طه، ﴿يس(1)) يس.
● ثلاثية: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ(1)﴾ يوسف.
● رباعية: ﴿المص(1)﴾ الأعراف.
● خماسية: ﴿كهيعص(1)﴾ مريم.
روي عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما، وسفيان الثوري أنهم قالوا: [الحروف المقطعة سر استأثر به الله عز وجل في علم الغيب]، وقال آخرون أن المراد بها تحدي الله عز وجل للعرب، وهم عمالقة البلاغة والبيان على أن يأتوا بمثله، وما يدعم هذا المعنى، أنه في كل مرة تذكر مقرونة بالقرآن الكريم: ﴿الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِي (2) ﴾ البقرة، ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) ﴾ هود ، ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) ﴾ يوسف.
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ ذلك في اللغة تستخدم للدلالة على أمر بعيد، والكتاب هو القرآن الكريم، والآية تعني علو شأن القرآن ورفعة قدره.
﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ ليس فيه أي شك، فهو كلام الله دون تحريف أو تزييف.
﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ مرشد إلى طريق الخير والصلاح في الدارين، أما المتقون هم الذين يخافون عذاب الله الدنيوي والأخروي، فيسعون للنجاة منهما، بفقه السنن والسير وفقها للنجاة من العذاب الدنيوي، و بالإيمان والعمل الصالح للنجاة من العذاب الأخروي
الصفة الأولى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ التصديق الجازم بالغيب والذي يشمل الإيمان بالله تعالى وبالرسل وبالملائكة، وبالجنة والنار وهذه حقائق تعرف بالخبر دون النظر.
الصفة الثانية: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ الصلاة يراد بها أداءها على وجه أكمل بوضوئها وأركانها وشروطها وخشوعها.
الصفة الثالثة: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ ينفقون مما آتاهم الله من مال وعلم وفهم، مما جعلهم الله مستخلفين فيه.
الصفة الرابعة: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ وهو الإيمان بالقرآن الكريم كتابا منزلا من عند الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
الصفة الخامسة: ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ فلا يكفي الإيمان بالقرآن الكريم، بل لابد من الإيمان بالكتب السماوية السابقة مثل: الزبور والتوراة والإنجيل.
الصفة السادسة: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ وهو الإيمان اليقيني الذي لا شك فيه بدار القرار وما فيه من حساب وثواب وعقاب، أما الدنيا فهي دار الفناء.
وبعد عرض الله تعالى لصفات المتقين، يقر أنهم مهتدون ﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ وحرف على يفيد التمكن بمعنى تمكنوا من طريق الحق والاستقامة، فكانت خاتمتهم الفلاح ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾.
تفسيرسورة البقرة الآيات 06-10
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(7) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(10)﴾
وهي تتناول بالوصف صنفين من الناس وهم الكفار والمنافقون، وقد اكتفى الله بوصف الكفار في آيتين، أما المنافقون فقد أكثر من الآيات في وصفهم وتشريح طباعهم.
صنف الكفار:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهم الذين عرفوا الحق وجحدوه، فيقال '' كفر الفلاح زرعه '' أي غطاه، والكفر نقيض الإيمان، وهو على نوعين:
كفر النعمة: وهو جحودها وعدم شكر منعمها.
كفر الملة: وهو الكفر بالله تعالى أو إنكار أمر معلوم من الدين بالضرورة، وهذا يخرج صاحبه من ملة الإسلام.
﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ والخطاب موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو البشير النذير، فالله عز وجل يواسيه لئلا يحزن على هؤلاء الكفار فليس عليه هداهم، فهم لن يهتدوا أبدا.
﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ والختم معناه الطبع والتغطية، فهؤلاء مطبوعون على الكفر، فقلوبهم موصدة عن الحق بل وحتى أسماعهم وأبصارهم، فهم لا يستجيبون أبدا لنداء الحق، لذلك استحقوا العذاب ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
صنف المنافقين:
النفاق هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر، إظهار الخير و إضمار الشر.
﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ بعض الناس وليس كلهم يدعون الإيمان ويتلفظونه بألسنتهم وتنكره قلوبهم فهم ليسوا مؤمنين ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾.
﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ فهم حين يدعون الإيمان يعتقدون أنهم يخدعون الله تعالى والمؤمنين، متجاهلين أن الله يعلم سرهم وجهرهم، هم لا يخدعون إلا أنفسهم.
﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا﴾ والنفاق أخطر مرض يصيب القلب.
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ جزاء لارتكابهم ثلاث جرائم: في حق الله حين لم يقدروه حق قدره، في حق الدين حين تلاعبوا به، وفي حق المؤمنين حين كذبوا عليهم.
لقد بين الله مصيرهم في آيات أخرى منها: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(138)﴾ النساء، و ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145)﴾ النساء.
تفسيرسورة البقرة الآيات 11-20
{xtypo_quote}
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ(12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ(13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ(16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ(17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ(18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ(19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20)﴾
{/xtypo_quote}
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ فحين ينهاهم المؤمنون عن الإفساد دافعوا عن أنفسهم فلم يعترفوا به بل ادعوا الإصلاح، وفسادهم هذا مطلق (في الدين وفي علاقاتهم مع الناس والكون...)، يقول ابن مسعود: (الإفساد الذي يقصده الله سبحانه وتعالى هو الكفر والمعصية).
ومع إنكارهم يفضحهم الله تعالى بتأكيد صفة الإفساد فيهمن ووظف لذلك حروف التأكيد والتقرير: "ألا" و "إن ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ فهم حين ينصحون أن يؤمنوا إيمانا حقيقيا – الإيمان الذي يستقر في القلب ويصدقه اللسان ويترجمه العمل – كسائر المؤمنين تكبروا وألحقوا السفاهة بهم بقولهم ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ والله ألحقها بهم فهم أولى بها ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ﴾، فهم السفهاء ضيعوا دينهم فخسروا الدنيا والآخرة.
﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾ وكعادة المنافقين لا يظهرون ما يبطنون، فحين يلتقوا بالمؤمنين أظهروا الإيمان، لكن حين يلتقوا بشياطينهم كان لهم شان آخر ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ الشياطين عند المفسرين هم أسيادهم وكبراؤهم، أما استهزاؤهم بالمؤمنين فهي صفة أخرى تضاف إلى صفاتهم الخبيثة، وهم يقرون بها.
﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ بقدر استهزائهم بالمؤمنين يستهزئ الله بهم، فالجزاء من جنس العمل.
أطلق الله تعالى اسم الطغيان على النفاق لأنه خروج عن الهدى.
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ هؤلاء المنافقون أقدموا على صفقة خاسرة، باعوا النور بالظلام، والإيمان بالكفر...فهل من مكسب لهم؟ لقد خسروا الدنيا والآخرة.
﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ شبه الله المنافقين بمن أشعل نارا وهو بأمسّ الحاجة إليها لكنها أظلمت عليهم، كذلك حال المنافقين، فالله أذهب من النار عنصر الإشراق وترك فيها عنصر الإحراق، على عكس ما حدث مع سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث أخذ منها عنصر الإحراق وترك فيها عنصر الإشراق: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69)﴾ الأنبياء، فلما ذهب الله بنورهم وجدوا أنفسهم في وحشة وحيرة.
﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾ وهو مثال آخر لحال المنافقين في صورة رهيبة، فالصيب عادة يحمل الخير لكن هنا يحمل ظلمات على ظلمات فتزداد وحشتهم.
﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ وهو تعبير بليغ عن شدة الخوف والوحشة، باستخدام الكل لإرادة الجزء: الأصابع بدل الأنامل (مجاز مرسل).
وهذه الصورة التي تبين ضعف الإنسان، فهو يخاف الموت والظلام والصواعق، المنافق يخاف منها وهي من جنود الله العظيم.
﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ قد يسأل سائل لماذا ذكر الله تعالى الكافرون وهو في موضع الحديث عن المنافقين؟
إن الله تعالى لم يغفل عن هذين الصنفين معا، فهو محيط بهما معا.
إن المنافق قد سكن قلبه الكفر وإن لم يبده، وقد فضحه الله بذلك.
كل منافق كافر، لكن ليس كل كافر منافق.
وإحاطة الله بالكافرين تعني مراقبته التامة لهم وعلمه المطلق بما يسرون وما يعلنون.
﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ لشدته وقوة لمعانه.
﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾ كلما أنار لهم الطريق ساروا فيه.
﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ وإذا اختفى توقفوا عن السير وثبتوا في أماكنهم.
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ إبرازا لقدرة الله المطلقة، وقد بين الله حال المنافقين والقرآن يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بذكر الكفر وهو ظلمات، وبالإشارة إلى الوعيد وهو كالصواعق والرعود وبذكر الحجج والبراهين القوية كقوة البرق في الإضاءة
تفسيرسورة البقرة الآيات 21-25
بعد بيان صفات المؤمنين والكافرين والمنافقين، نادى الله الجميع بنداء جامع ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ نداء للبشرية قاطبة في كل زمان ومكان.
تتناول هذه الآيات عدة قضايا منها:
- التأكيد على وحدانية الله تعالى.
- الأمر بالعبادة.
- تعريف الناس ببعض نعم الله عز وجل ليشكروه.
- تقرير معجزة القرآن وإثبات صدق النبوة.
- تقريع الكافرين.
- تبشير المؤمنين.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(22) وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24) وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25)﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ نداء الله لعباده دليل على أن الأمر المنادى ذو شأن عظيم.
﴿اعْبُدُوا رَبَّكُم﴾ أمر بالعبادة، والعبادة غاية الخضوع لله مع غاية الحب له، وتأكيد على المقصد الأصلي من وجود الإنسان قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون(56)﴾ الذاريات، و يبين الله تعالى أنه المستحق للعبادة فهو المنعم على عباده نعما لا تحصى، منها:
- الإيجاد من العدم وبلا مثال سابق: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ وهو خطاب شامل يفيد الاستغراق، يشمل جميع الخلق من الأول إلى الآخر.
﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وجزاء العابد لله حق عبادته النجاة من عذاب النار، إذ يجعل له الله تعالى بينه وبين عذابه وقاء.
- توفير أسباب البقاء والحياة:
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾ إذ وفر الله تعالى أسباب الحياة قبل أن يخلقه، فجعل الأرض فراشا وبساطا وقرارا له ليتمكن من العيش والاستقرار والراحة.
(وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) جعلها سقفا للأرض مرفوعا فوقها كهيئة القبة.
وقد استضافه فوق أرضه وتحت أديم سماءه، وهي مقابلة بديعة عقدها الله بين السماء والأرض، وبين الفراش والبناء.
- الماء والرزق: ﴿وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ) ينبه الله عز وجل إلى أهم أسباب الحياة وهو الماء، حتى أن نسبته في جسم الإنسان تصل إلى 70 % ، وقال تعالى: ﴿...وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ(30)﴾ الأنبياء، وبالماء أخرج الرزق من الأرض، وفي هذا رباط وثيق بين السماء والأرض، فالماء ينزل من السماء والرزق يخرج من الأرض بفضل الله.
﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ بعد أن أحصى الله بعض نعمه، أمر الإنسان أن لا يتخذ نظيرا له فهو خالقه ورازقه ﴿...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير(11)﴾ الشورى، وأن يدرك ضعفه وضعف من يعبد من دون الله ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِين تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(73)﴾ الحج، ويستغرب الله تعالى من هذا المخلوق الذي أنعم عليه، فبدل أن يعبده وهو المستحق لذلك يعبد غيره، وفي الحديث القدسي: (إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويشكر سواي...).
﴿وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ يخاطب الله تعالى المشككين في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته ويتحداهم أن يأتوا بمثل القرآن الكريم وهو تحدي مطلق، وقال تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(88)﴾ الإسراء.
﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ يتحداهم الله أن يأتوا بأنصارهم وآلهتهم التي يدّعون أنها تشفع لهم عند الله إن كانوا صادقين
﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ يؤكد الله على عجز الخلق عن هذا التحدي ولو تعاونوا فيما بينهم، وهذا العجز مطلق: في الماضي والحاضر والمستقبل.
﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ يخوفهم الله بمصيرهم فهم حطب النار والأصنام التي كانوا يعبدونها من دونه ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ(98)﴾ الأنبياء، ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا(15)﴾ الجن.
﴿وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾بشارة للمؤمنين الذين فعلوا الخيرات أي ترجموا إيمانهم إلى عمل.
﴿أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار﴾ تجري أنهار من الماء والعسل واللبن... تتخلل أشجارها وقصورها.
﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ فحين تقدم لهم الملائكة في الآخرة رزقا يقولون: "رزقنا مثله" فهي متشابهة في الأسماء والأشكال والألوان فقط، يقول ابن عباس: إن ما في الجنة يتشابه مع ما في الدنيا ما عدا الذوق.
﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾ قال بعض العلماء أنه خطاب موجه للرجال، وقال بعضهم أنه يعني الجنسين، فالزوج يعني في اللغة الذكر والأنثى، وكلاهما صحيح، وهذه الأزواج مطهرة من العيوب الحسية والمعنوية.
﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ الجزاء الأكبر للصالحين هو الخلود في الجنة حيث السعادة الأبدية، وهو ما يطمئن المؤمنين، ولهم فيها ما لا يمكن تصوره كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه (لقد أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) متفق عليه.
من الآية 26 إلى 29
﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ(26) الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(29)﴾
سبب النزول: لما وضح الله تعالى بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن القرآن كلام الله المعجز، وتحداهم بأن يأتوا مثله... استهزأ الكفار واليهود أن يأتي الله بأمثال من الحشرات والحيوانات: النمل، النحل، البعوض، الإبل... لأنها في زعمهم لا يليق ذكرها من الله تعالى فأجابهم الله بهذه الآيات.
والمثل معروف منذ القدم، وهو عبارة عن وسيلة إيضاح وبيان، يحمل خلاصة تجارب البشر...
ولقد وظف الله تعالى الأمثال كثيرا وقرنها بفعل يضرب لا بفعل يعطي وذلك للتقريع والتنبيه، ولتهييج الانفعال للتجاوب معها، ولقد وجهها لكل البشر، ولم يختص بها المؤمنين فقط ﴿...وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [سورة إبراهيم، الآية 25].
وللمثل القرآني أغراض دعوية منها:
- بيان عقيدة التوحيد.
- بيان مصير المعطلين للحواس.
- بيان ثمرات الإيمان.
﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ ضرب الله مثلا بحشرة صغيرة "بعوضة" دون أن يستحي من ذلك أمام استهزاء الكافرين والجاحدين، وهذه الأمثال التي يضربها الله للناس يستقبلها المؤمنون بالتصديق ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾، أما الكفار فيجادلون ويستفسرون ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً﴾، ومن ثم ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ فيزداد إيمان المؤمنين وكفر الكافرين، وعقب الله بقوله ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ والفاسق هو الخارج عن طاعة الله تعالى ومن صفاته:
1- نقض العهود: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ وهي استعارة مكنية، حيث شبه الله عز وجل ميثاقه بالحبل وجاء بإحدى لوازمه وهي النقض وحذف المشبه به (الحبل).
﴿عَهْدَ اللَّهِ﴾ وهي صيغة تفيد الاستغراق وتشمل جميع العهود الموثوقة مع الله.
2- قطع الصلات: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ والصلة تشمل الصلة بالله تعالى وبالأنبياء والرسل وبالأرحام وبسائر الخلق... القطع نتيجة حتمية لنقض العهود، فحين يُنقض العهد مع الله كل شيء يهون بعده.
3- الإفساد في الأرض: ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾ فبعد قطع الصلات تفسد جميع العلاقات مع الله ومع الناس ومع الكون... ومآلهم كما توعدهم الله هو الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾.
﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ استفهام للتوبيخ والإنكار لهؤلاء الكفار الذين عرفوا الحق وجحدوا به، كما جحدوا نعم الله خاصة نعمة الحياة.
﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ﴾ أوجدهم الله من العدم، وهي آية من آيات الله.
﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ يؤكد الله على الأجل الذي سوف يأتي لا ريب فيه، لكن لن يكون هو النهاية بل سيكون بداية لحياة أخرى، ثم يبعث الله من في القبور.
﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ينبه الله تعالى إلى أن مآل الخلق إليه فيحاسبهم على كل أفعالهم في هذه الحياة وهذا لترسيخ الإيمان به والاستعداد له، يقول تعالى ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 281].
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾ يذكر الله بنعمة أخرى، هي نعمة تسخير الأرض للإنسان حيث وفر له فيها أسباب الحياة، ويذكره بملكيته المطلقة فهو خالقها وما على الإنسان إلا أن يؤدي شكرها.
﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ هي آية أخرى من آيات الله، خلق السموات العلى وجعلها سبعا، واستخدم الله تعالى فعل سوى للدلالة على البناء المحكم.
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ختم الله آياته بتأكيده على إحاطته بكل شيء، فلا يخفى عليه لا توحيد الموحدين ولا كفر الكافرين.
من الآية 26 إلى 29
﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ(26) الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(29)﴾
سبب النزول: لما وضح الله تعالى بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن القرآن كلام الله المعجز، وتحداهم بأن يأتوا مثله... استهزأ الكفار واليهود أن يأتي الله بأمثال من الحشرات والحيوانات: النمل، النحل، البعوض، الإبل... لأنها في زعمهم لا يليق ذكرها من الله تعالى فأجابهم الله بهذه الآيات.
والمثل معروف منذ القدم، وهو عبارة عن وسيلة إيضاح وبيان، يحمل خلاصة تجارب البشر...
ولقد وظف الله تعالى الأمثال كثيرا وقرنها بفعل يضرب لا بفعل يعطي وذلك للتقريع والتنبيه، ولتهييج الانفعال للتجاوب معها، ولقد وجهها لكل البشر، ولم يختص بها المؤمنين فقط ﴿...وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [سورة إبراهيم، الآية 25].
وللمثل القرآني أغراض دعوية منها:
- بيان عقيدة التوحيد.
- بيان مصير المعطلين للحواس.
- بيان ثمرات الإيمان.
﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ ضرب الله مثلا بحشرة صغيرة "بعوضة" دون أن يستحي من ذلك أمام استهزاء الكافرين والجاحدين، وهذه الأمثال التي يضربها الله للناس يستقبلها المؤمنون بالتصديق ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾، أما الكفار فيجادلون ويستفسرون ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً﴾، ومن ثم ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ فيزداد إيمان المؤمنين وكفر الكافرين، وعقب الله بقوله ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ والفاسق هو الخارج عن طاعة الله تعالى ومن صفاته:
1- نقض العهود: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ وهي استعارة مكنية، حيث شبه الله عز وجل ميثاقه بالحبل وجاء بإحدى لوازمه وهي النقض وحذف المشبه به (الحبل).
﴿عَهْدَ اللَّهِ﴾ وهي صيغة تفيد الاستغراق وتشمل جميع العهود الموثوقة مع الله.
2- قطع الصلات: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ والصلة تشمل الصلة بالله تعالى وبالأنبياء والرسل وبالأرحام وبسائر الخلق... القطع نتيجة حتمية لنقض العهود، فحين يُنقض العهد مع الله كل شيء يهون بعده.
3- الإفساد في الأرض: ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾ فبعد قطع الصلات تفسد جميع العلاقات مع الله ومع الناس ومع الكون... ومآلهم كما توعدهم الله هو الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾.
﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ استفهام للتوبيخ والإنكار لهؤلاء الكفار الذين عرفوا الحق وجحدوا به، كما جحدوا نعم الله خاصة نعمة الحياة.
﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ﴾ أوجدهم الله من العدم، وهي آية من آيات الله.
﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ يؤكد الله على الأجل الذي سوف يأتي لا ريب فيه، لكن لن يكون هو النهاية بل سيكون بداية لحياة أخرى، ثم يبعث الله من في القبور.
﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ينبه الله تعالى إلى أن مآل الخلق إليه فيحاسبهم على كل أفعالهم في هذه الحياة وهذا لترسيخ الإيمان به والاستعداد له، يقول تعالى ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 281].
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾ يذكر الله بنعمة أخرى، هي نعمة تسخير الأرض للإنسان حيث وفر له فيها أسباب الحياة، ويذكره بملكيته المطلقة فهو خالقها وما على الإنسان إلا أن يؤدي شكرها.
﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ هي آية أخرى من آيات الله، خلق السموات العلى وجعلها سبعا، واستخدم الله تعالى فعل سوى للدلالة على البناء المحكم.
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ختم الله آياته بتأكيده على إحاطته بكل شيء، فلا يخفى عليه لا توحيد الموحدين ولا كفر الكافرين.