بسم الله الرحمن الرحيم
مشروع "الصكوك الإسلامية" حرام شرعاً
ورضوخ لإملاءات صندوق النقد الدولي!
ما أن بدأ مجلس الشورى أولى جلساته بتاريخ 26/12/2012م وقُدِّم له مشروع ما يسمى "بالصكوك الإسلامية"، حتى تباينت ردود الفعل تجاه هذا المشروع، فمدحه أناس وكأنه مفتاح النصر والفرج لاقتصاد مصر المتأزم ابتدعه اقتصاديو العهد الجديد!
والحقيقة أن هذا المشروع جديد قديم، فحين قدم صندوق النقد الدولي لمصر "روشيتات" للإصلاح الاقتصادي في عهد المخلوع عام 2010م كانت تتضمن نظام الصكوك هذا، كما فرض الصندوق في العام نفسه شروطًا قاسية على اليمن من ضمنها إصدار "الصكوك الإسلامية" هذه [وكالة الأنباء 12/11/2010م]. وها هو صندوق النقد الدولي يعيد من جديد إحياء مشروعه مع رجالات النظام الجديد، مساومًا إياهم قبول روشيتته المسمومة مقابل القرض الربوي بقيمة (4. مليار دولار، فصندوق النقد الدولي بدأ بفرض شروطه على الحكومة الجديدة، وذلك بالتدخل في وضع برنامج اقتصادي لمصر، ففي زيارة "كريستين لاجارد" مديرة صندوق النقد الدولي لمصر ولقائها بالرئيس مرسي صرحت قائلة: "إنه منذ شهور طويلة وهناك مفاوضات بين الفريق الفني للصندوق والحكومة المصرية حول شروط القرض، وإن الصندوق يريد من مصر خططًا واضحة حول تخفيض العجز في الميزانية عن طريق زيادة العائدات والاستثمارات."[فاينانشال تايمز 23/8/2012م]، ومما ينصح به صندوق النقد الدولي لزيادة العائدات هي الصكوك، ووفقاً لذلك فقد توقعت وكالة "فيتش" خضوع مصر وإصدارها "الصكوك الإسلامية" في 2013م [رويترز 14/1/2013م]. إن الأدهى والأمَّر أن الحكومة لا تضع في حسبانها رأي الشرع في مشروع ما يسمى "بالصكوك الإسلامية" كما تزعم؛ فعندما عُرض المشروع على الأزهر لم يُعرض عليه ليُؤخذ أو يُرفض، بل لمجرد معرفة رأيه حسب ما ورد في تصريح وزير المالية، فالحكومة يهمها فقط تطبيق بنود صندوق النقد الدولي، وهذا واضح في تصريحات وزير المالية الجديد حيث يقول: "سنجري تعديلات على خطة الإصلاح الاقتصادي لتتوافق مع بنود صندوق النقد الدولي" [رويترز 15/1/2013م].
أيها المسلمون، يا أهل مصر الكنانة:
إن إسلامكم العظيم هو الواجب الاتباع لا سياسات صندوق النقد الدولي، يقول تعالى: (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) ، فليس للمسلم خيار بعد معرفة حكم الشرع الحنيف، ولكي نعرف حكم الشرع في هذا المشروع لا بد أن نتعرف على الصكوك ابتداءً.
إن الصكوك في حقيقتها هي: (أوراق مالية يستثمر فيها حامل الصك أمواله في مشروعات سيادية، أي ملكيات عامة للأمة تديرها الدولة، وتمثل ملكية تامة لهم، ويجوز لهم التصرف فيها أو بيعها، عبر تداولها في البورصة، وتصدر الدولة الصكوك عبر تحديد مشروعات سيادية تطرحها في البورصة، وتُحدد لها فترة بداية ونهاية وقيمة اسمية في نشرة تعريفية خاصة بالصك)، وعليه فإن مشروع ما يسمى "الصكوك الإسلامية" حرام شرعًا لنقاط عدة وهي:
1. إن الملكية العامة في الشرع هي: (الأعيان التي جعل الشارع ملكيتها لجماعة المسلمين وجعلها مشتركة بينهم لينتفعوا بها، ومنعهم من تملكها)، يقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار» رواه أبو داود، والصكوك تسمح لمالكها أن يتملك حقًا في الملكية العامة دون غيره من المسلمين الذين لم يشتروا الصك، وهذا تعدٍّ على مال الأمة يُحرمه الإسلام.
2. إن محلَ عقد "الصكوك" هو بيع ملكية عامة، والأصل أن الشرع الحنيف اِئْتَمَنَ الحاكمَ على المال العام، ليكون خير مؤتمن عليه، فينفقه على الأمة مجتمعة بلا تمييز، أما في مشروع ما يُسمى "بالصكوك الإسلامية" فإن الدولة تقوم بدفع أرباح المشاريع السيادية حسب نسبة كل فرد من حاملي الصكوك، وبذلك تكون عوائد الملكية العامة عائدة على الأغنياء الذين اشتروا صكوكًا دون الفقراء وعامة المسلمين، فيزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرًا؛ ويُنهب حقهم في المال العام، وهذا حرام شرعًا إذ إنه خيانة للأمانة من قبل الحاكم، يقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» رواه مسلم.
3. إن من شروط عقد الشركة في الإسلام أن يتوفر (الإيجاب والقبول) بين طرفي العقد في مجلس واحد، وأن لا تكون تصرفًا منفردًا من طرف واحد بل لا بد من توفر طرفين أي شخصين، وكلا الشرطين غير متوفرين في الصكوك، فالمشتري يشتري الصك بما يسمى "بالإرادة المنفردة" حسب أنظمة البورصات بمجرد تنفيذ (أمر الشراء) في البورصة، وعليه فالصكوك باطلة شرعًا لعدم توفر شروط الشركة في الإسلام.
4. إن الدولة بطرحها للصكوك في البورصة، تسمح للكفار بتملك مال عام للأمة، وذلك فوق كونه عطاءَ من لا يملك لمن لا يستحق، فهو حرام شرعًا إذ إنه يجعل للكفار قوةً في بلاد المسلمين وسبيلًا عليهم، يقول تعالى: (( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا )) .
أيها المسلمون، يا أهل مصر الكنانة:
إن مشروع ما يسمى "بالصكوك الإسلامية" مشروع نابع من الاقتصاد الرأسمالي الغربي المخالف للإسلام، يُروجُ له صندوق النقد الدولي ليُحكِم به السيطرةَ على اقتصاد مصر الكنانة لنهب خيراتها، عبر إملاءات واشتراطات مسمومة ظاهرها إصلاح الاقتصاد وباطنها من قبله العذاب. وهو مشروع لا علاقة له بالإسلام، وإن إلصاق كلمة "الإسلامية" به هي محاولة فاشلة لذر الرماد في العيون لخداعكم وتمرير هذا المشروع الاستعماري عليكم. فانبذوه أيها المسلمون ولا تستعينوا بصندوق النقد الدولي لإصلاح اقتصاد بلادكم؛ فتكونوا كمن قال فيه الشاعر:
المستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار
لقد بان الأمر لكل ذي بصر وبصيرة؛ فإن الاستعانة بصندوق النقد الدولي تقود الأمة لمستنقع الذُلِ والتبعية؛ فتصبح الأمة تأخذ الأوامر من الكفار المستعمرين وتُهدَّد من عواصمِ الفجارِ المشركين. وإنه من أراد أن ينهض باقتصاد مصر الكنانة فلا يطلبن النهضة من بشر مستعمرين بل من رب العالمين من: (( لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ )) . فهلمَّ لنطبق اقتصادًا إسلاميًا خالصًا يضمن لنا رفاهية الحياة وكريم العيش؛ وذلك لا يكون إلا في ظل دولة الخـلافة الراشدة. فغيِّروا أمركم؛ أيها المسلمون، وانصروا ربكم بإقامة الخــلافـة الراشدة يَـنْـصُـرْكم:
(( ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ))
10 من ربيع الاول 1434
الموافق 2013/01/22م حزب التحرير
ولاية مصر