خصائص القرآن المكي والمدني د.منيع عبدالحليم محمود ذكر العلماء ضوابط عامة. يعرف بها المكي والمدني من سور القرآن الكريم وقد استنبط العلماء هذه الضوابط بطريق الاستقراء والتتبع للآثار الواردة في هذا الموضوع وعلي الرغم من ذلك فإن هذه الضوابط إنما هي في الكثرة الغالبة فقط ومن ذلك قولهم: كل سورة فيها سجدة فهي مكية وكل سورة فيها "كلا" فهي مكية وقد علل السيوطي لذلك فقال: "وحكمة ذلك أن نصفه الأخير نزل أكثره بمكة وأكثرها جبابرة فتكررت فيه "كلا" علي وجه التهديد والتعنيف لهم والإنكار عليهم بخلاف النصف الأول وما نزل منه في اليهود لم يحتج إلي إيرادها فيه لذلتهم وضعفهم. أما القرآن المكي فقد امتاز بأمور أهمها ما يلي: أولا: دعوة المشركين إلي الإيمان بعقيدتي التوحيد والبعث وإقامة الأدلة والبراهين عليهما ومحاربة ما هم عليه من وثنية وشرك وعبادة أصنام وتقليد وجمود وإرشاد عقولهم إلي النظر والتفكير في ملكوت السموات والأرض لكي يزعنوا للحق ويؤمنوا بالله العزيز الحكيم. ثانيا: الدعوة إلي أصول الفضائل ومكارم الأخلاق. ومحاسن الآداب كالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي ومحاربة العادات القبيحة. والفواحش التي كانت منتشرة بين العرب في الجاهلية مثل وأد البنات وسفك الدماء واستباحة الأعراض وأكل أموال الناس بالباطل. ثالثا: بيان أحوال السابقين وقصص الأنبياء والمرسلين وما تحمله هذه الأحوال والقصص من أبلغ العظات وأصدق العبر وشرح ذلك للناس لعلهم يرتدعون عما هم فيه من كفر ويقلعون عما هم عليه من ضلال . رابعا: قصر الآيات والسور والسر في ذلك أن أهل مكة كانوا في قمة البلاغة والفصاحة وفي غاية الذكاء والألمعية وكانوا أيضا علي درجة كبيرة من العناد والجحود والكفران. فكان من المناسب لهم أن يقرع القرآن أسماعهم ويصخ آذانهم بالمواعظ الزاجرة والكلمات المؤثرة. وأما القرآن المدني فقد امتاز هو الآخر بما يأتي: أولا: بيان التشريعات العملية والأحكام التفصيلية التي كان المجتمع الإسلامي الجديد في أمس الحاجة إليها من عبادات ومعاملات وحدود وتنظيم لشئون الزواج والطلاق والميراث وغير ذلك. ثانيا: الأمر بالقتال إعلاء لكلمة الله وجهادا في سبيله وما يتصل بذلك من أساليب الترغيب فيه والحث عليه وبيان فضل الشهداء والمجاهدين وتنظيم علاقات الحرب والسلم. ثالثا: كشف أحوال المنافقين وهتك استارهم لكي يحذر المسلمون من شرهم ويعيشوا في مأمن من غدرهم. رابعا: مجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصاري وبيان ما هم عليه من عقائد زائفة وأهواء ضالة وآراء فاسدة ومن الواضح أن الاحتكاك بين المسلمين وأهل الكتاب لم يكن إلا بعد هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم فقد كان اليهود يقيمون في "يثرب" وكان دأبهم الجدل بقصد إثارة الفتنة والبلبلة في صفوف المسلمين وجاء وفد نصاري نجران إلي الرسول صلي الله عليه وسلم في المدينة يجادلونه في أمر عيسي بن مريم عليه السلام وهنا نزل كثيرمن القرآن المدني لدعوة هولاء وأولئك إلي الإسلام ومجادلتهم بالتي هي أحسن. خامسا: ويمتاز القرآن المدني كذلك بطول الآيات والسور لأنه قد اشتمل علي الأمور الكثيرة السابقة وهي تقتضي الإطناب والتفصيل يضاف إلي ذلك أن أهل المدينة كانوا أقل بلاغة وذكاء من أهل مكة فجاء القرآن مناسبا لهم في تفصيل القول وبسط العبارة إذ أن قانون البلاغة إنما يقوم أساسا علي مراعاة مقتضي الحال وإذ بالقرآن الكريم في إيجازه وإطنابه قد بلغ ذروة البلاغة وحد الإعجاز ومن هنا خر له العرب ساجدين وأذعنوا له صاغرين. | ||