بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ثم الصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه
قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ
كتبه :
د. جمال الحسيني أبو فرحة
لقد تنوعت وتباينت أساليب التبشير بنبي الإسلام في أسفار أهل الكتاب وتطرقت إلى كثير من التفصيلات، وهو موضوع لا يجليه مقال ولا تكفيه دراسة، وإنما يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.
وقد كان من جملة البشارات بالرسول - صلى الله عليه وسلم- في أسفار أهل الكتاب: الإشارة إلى مكان بعثته - صلى الله عليه وسلم-، ولغة قومه، وما سيكون عليه اسمهم بعد إيمانهم.
فبداية نفت أسفار أهل الكتاب أن يكون موضع بعثة النبي المنتظر بعد المسيح -عليه السلام- في مدينة "أورشليم"- أي: القدس الشريف- كما يتوقع اليهود دائمًا، كما نفت أن يكون في جبل "جرزّيم" كما يتوقع السامرة من اليهود، وأوضحت أنه سيكون في مكان جديد؛ فعندما قالت المرأة السامرية للمسيح -عليه السلام- كما يحكي إنجيل يوحنا: "يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل [جبل جرزيم] وأنتم تقولون: إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه. قال لها يسوع[ أي المسيح]: يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون"؛ وهو ما يؤكد عليه سفر "إرميا" عندما يقول على لسان الرب لبني إسرائيل: "هأنذا أنساكم نسياناً وأرفضكم من أمام وجهي أنتم والمدينة التي أعطيتكم وآباءكم إياها وأجعل عليكم عارًا أبديًا وخزيًا أبديًا لا ينسى".
ثم تبدأ أسفار أهل الكتاب في وصف موضع نزول الرسالة الخاتمة المنتظرة، فيصفه سفر "الرؤيا" بأن به "مسكن الله مع الناس"، ولا شك أن الإشارة في ذلك إلى بيت الله الحرام واردة؛ وتصفه "الكتب الأسينية"- من مخطوطات قمران- بأن به "الهيكل - أي البناء الكبير- الذي سيبنى في نهاية الأزمنة كما هو مكتوب في وصية موسى"، ثم تصف ذلك الهيكل بأنه "البيت الذي لن يدخله الكافر أو النجس إلى الأبد"، والإشارة واضحة في ذلك إلى قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} التوبة: 28، ونفس هذا المعنى نجده في سفر إشعياء: "وتكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق المقدسة لا يعبر فيها نجس بل هي لهم"، وهي صفات لم تعرف لمكان على وجه الأرض بقدر ما عرفت لمكة المكرمة، والمدينة المنورة.
ثم يزيد سفر إشعياء الأمر وضوحًا عندما يحدد مكان بعثته - صلى الله عليه وسلم- بقوله "وحي من جهة بلاد العرب"، وهذه هي ترجمة جمعية الكتاب المقدس في الشرق الأدنى، وتشهد لها الترجمة العالمية الجديدة الصادرة عن جمعية الكتاب المقدس العالمية New International Version حيث تقول: An Oracle Concerning Arabia أي: وحي، أو مبلغ الوحي، أو مكان مهبط الوحي متعلق ببلاد العرب.
ويؤكد سفر إشعياء على ذلك التحديد المكاني عندما يقول في معرض حديثه عن النبي المنتظر:"لتهتف الصحراء ومدنها وديار قيدار المأهولة، ليتغن بفرح أهل سالع، وليهتفوا من قمم الجبال، وليمجدوا الرب ويذيعوا حمده"؛ وقيدار هو الابن الثاني لإسماعيل عليه السلام وهو أب لأشهر القبائل العربية، وقد نزل الوحي على النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- في أهم مدن يسكنها أبناء قيدار: مكة والمدينة.
أما قوله:" ليتغن بفرح أهل سالع ......الخ": فهو تعيين لمقام ذلك النبي المنتظر وأنه بالمدينة المنورة؛ فـ "سلع" اسم لجبل في مدخل المدينة المنورة، ولا شك أن أهل المدينة وقفوا عليه كثيرًا في انتظار وصول الرسول – صلى الله عليه وسلم- من هجرته، ولا شك أنه كذلك جبل ارتفعت أصوات الأنصار متغنية بفرح ممجدة لله تعالى حامدة له عند وصوله – صلى الله عليه وسلم- كما تقول البشارة عن أهل "سالع، أو سلع"؛ ولا فرق؛ فالعبرانيون لم تكن لديهم حروف تعادل الحروف المتحركة حتى القرن السادس الميلادي ولم يفرقوا بين كلمة كـ "سلع" وكلمة كـ "سالع" إلا بعد هذا التاريخ على يد علماء لغويين كثيرًا ما أخطئوا وكثيرًا ما اختلفوا؛ وخاصة مع عدم توافر الحفظ في الصدور لأي من نصوصهم المقدسة، ومن الطريف أن أغنية الأنصار التي استقبلوا بها النبي – صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة احتوت على حمد لله تعالى "وجب الشكر علينا ما دعا لله داع" تمامًا كما تنص البشارة.
أما سفر التثنية فيعين في أي بلاد العرب سيكون مهبط الوحي على النبي المنتظر – صلى الله عليه وسلم- وذلك عندما يجعل "فاران" موضع رسالة منتظرة، حين يقول: "هذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته؛ فقال: أقبل الرب من سيناء وأشرق عليهم من سعير وتألق في جبل فاران"، ومجيء الرب من سيناء يشير إلى رسالة موسى عليه السلام حيث ناداه الله وهو على أرضها؛ وإشراق الرب من سعير، يشير إلى رسالة عيسى عليه السلام؛ فجبل سعير يمتد جنوب البحر الميت شرق فلسطين حيث اعتزل المسيح عليه السلام فترة مع بني العيص أو الأسينيين؛ وأما تألق الرب من فاران فهو إشارة إلى رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم- الذي جاء من ذرية إسماعيل - عليه السلام- والذي يخبرنا سفر التكوين بأنه سكن هو وذريته بفاران عند البئر [بئر زمزم] التي منّ الله على هاجر وابنها بها إنقاذًا لهما من الموت؛ ومن هنا نفهم أن فاران هي مكة المكرمة التي بعث منها المصطفى – صلى الله عليه وسلم- ؛ ومن اللافت للنظر أن كلمة فاران باللغة العبرية تعني صيغة المبالغة من كلمة "حمد"؛ ومن ثمة فلا نعدو الحقيقة إن قلنا: إن اسم برية فاران والتي هي موضع رسالة منتظرة في التوراة يعني برية "محمد"– صلى الله عليه وسلم- .
فشبه موسى عليه السلام - حسبما يروي العهد القديم- مجيء التوراة بطلوع الفجر، ونزول الإنجيل بإشراق الشمس، ونزول الإسلام بتألق الشمس في كبد السماء وعلوها وذلك إيذانًا بأنه خاتم الأديان وأن ليس بعد كماله كمال.
ثم تتحدث أسفار أهل الكتاب بعد ذلك عن لغة النبي المنتظر ولغة قومه، فيصفهم سفر إشعياء بأنهم يتحدثون لغة أعجمية غريبة عن اليهود وذلك حين يقول: "سيخاطب الرب هذا الشعب بلسان غريب أعجمي"، أي غريب عن اليهود وأعجمي بالنسبة لهم، وهو ما لم يكن للمسيح عليه السلام وأتباعه؛ فقد كان المسيح عليه السلام رجلاً يهوديًا وكذا كان جلّ أتباعه في حياته، وإنما كان ذلك للنبي العربي محمد - صلى الله عليه وسلم-.
كما تحدثت أسفار أهل الكتاب عن ما سيكون عليه اسم المؤمنين بالنبي المنتظر، فوصفهم سفر إشعياء بأن سيكون لهم اسم آخر غير الذي كان لليهود، يقول سفر إشعياء على لسان الرب لبني إسرائيل "وتخلفون اسمكم لعنة على شفاه مختاري ويميتكم الرب ويطلق على عبيده اسمًا آخر"، وهو ما لم يكن للمسيحيين وكان للمسلمين؛ لأن هذا الاسم "مسيحيّون" لم يعرف إلا متأخرًا في أنطاكية - كما يصرح سفر أعمال الرسل من الكتاب المقدس- وكان المسيحيون يعتبرون في أول الأمر، وطيلة حياة المسيح عليه السلام على الأرض- فريقاً من اليهود، فالمسلمون هم الذين كان لهم اسم آخر غير ما كان لبني إسرائيل، وهذا الاسم الآخر يصرح به سفر إشعياء عندما يصف النبي المنتظر بأنه (رئيس الإسلام) أو السلام، فكل من السلام والإسلام بالعبرية: (شالوم)؛ فصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمين من قبل وفي هذا} الحج:78.
هذا قليل من كثير لا يتسع المقام إلا للتمثيل له، وهو ما جعل "باول شفارتزيناو" - أستاذ الثيولوجي البروتستانتية وعلوم الأديان بجامعة "دور تموند" بألمانيا- يصرح قائلاً: "إن الاعتراف بنبوة محمد الذي أطالب به موجود في جذور المسيحية"، كما جعل "كانون ماكس وارن" سكرتير جمعية التبشير الكنسية، في بحثه المقدم إلى المؤتمر التبشيري الثالث لطائفة الإنجيليين الذي عقد في كندا عام 1963م- يقول: "لقد تجلى الله بطرق مختلفة ومن الواجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لنصر على القول بأن الله كان يتكلم في ذلك الغار الذي يقع في تلك التلال خارج مكة"، يقصد بذلك الوحي إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- حين بدأ في غار حراء.
فصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 197]
الحمد لله ثم الصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه
قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ
كتبه :
د. جمال الحسيني أبو فرحة
لقد تنوعت وتباينت أساليب التبشير بنبي الإسلام في أسفار أهل الكتاب وتطرقت إلى كثير من التفصيلات، وهو موضوع لا يجليه مقال ولا تكفيه دراسة، وإنما يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.
وقد كان من جملة البشارات بالرسول - صلى الله عليه وسلم- في أسفار أهل الكتاب: الإشارة إلى مكان بعثته - صلى الله عليه وسلم-، ولغة قومه، وما سيكون عليه اسمهم بعد إيمانهم.
فبداية نفت أسفار أهل الكتاب أن يكون موضع بعثة النبي المنتظر بعد المسيح -عليه السلام- في مدينة "أورشليم"- أي: القدس الشريف- كما يتوقع اليهود دائمًا، كما نفت أن يكون في جبل "جرزّيم" كما يتوقع السامرة من اليهود، وأوضحت أنه سيكون في مكان جديد؛ فعندما قالت المرأة السامرية للمسيح -عليه السلام- كما يحكي إنجيل يوحنا: "يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل [جبل جرزيم] وأنتم تقولون: إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه. قال لها يسوع[ أي المسيح]: يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون"؛ وهو ما يؤكد عليه سفر "إرميا" عندما يقول على لسان الرب لبني إسرائيل: "هأنذا أنساكم نسياناً وأرفضكم من أمام وجهي أنتم والمدينة التي أعطيتكم وآباءكم إياها وأجعل عليكم عارًا أبديًا وخزيًا أبديًا لا ينسى".
ثم تبدأ أسفار أهل الكتاب في وصف موضع نزول الرسالة الخاتمة المنتظرة، فيصفه سفر "الرؤيا" بأن به "مسكن الله مع الناس"، ولا شك أن الإشارة في ذلك إلى بيت الله الحرام واردة؛ وتصفه "الكتب الأسينية"- من مخطوطات قمران- بأن به "الهيكل - أي البناء الكبير- الذي سيبنى في نهاية الأزمنة كما هو مكتوب في وصية موسى"، ثم تصف ذلك الهيكل بأنه "البيت الذي لن يدخله الكافر أو النجس إلى الأبد"، والإشارة واضحة في ذلك إلى قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} التوبة: 28، ونفس هذا المعنى نجده في سفر إشعياء: "وتكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق المقدسة لا يعبر فيها نجس بل هي لهم"، وهي صفات لم تعرف لمكان على وجه الأرض بقدر ما عرفت لمكة المكرمة، والمدينة المنورة.
ثم يزيد سفر إشعياء الأمر وضوحًا عندما يحدد مكان بعثته - صلى الله عليه وسلم- بقوله "وحي من جهة بلاد العرب"، وهذه هي ترجمة جمعية الكتاب المقدس في الشرق الأدنى، وتشهد لها الترجمة العالمية الجديدة الصادرة عن جمعية الكتاب المقدس العالمية New International Version حيث تقول: An Oracle Concerning Arabia أي: وحي، أو مبلغ الوحي، أو مكان مهبط الوحي متعلق ببلاد العرب.
ويؤكد سفر إشعياء على ذلك التحديد المكاني عندما يقول في معرض حديثه عن النبي المنتظر:"لتهتف الصحراء ومدنها وديار قيدار المأهولة، ليتغن بفرح أهل سالع، وليهتفوا من قمم الجبال، وليمجدوا الرب ويذيعوا حمده"؛ وقيدار هو الابن الثاني لإسماعيل عليه السلام وهو أب لأشهر القبائل العربية، وقد نزل الوحي على النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- في أهم مدن يسكنها أبناء قيدار: مكة والمدينة.
أما قوله:" ليتغن بفرح أهل سالع ......الخ": فهو تعيين لمقام ذلك النبي المنتظر وأنه بالمدينة المنورة؛ فـ "سلع" اسم لجبل في مدخل المدينة المنورة، ولا شك أن أهل المدينة وقفوا عليه كثيرًا في انتظار وصول الرسول – صلى الله عليه وسلم- من هجرته، ولا شك أنه كذلك جبل ارتفعت أصوات الأنصار متغنية بفرح ممجدة لله تعالى حامدة له عند وصوله – صلى الله عليه وسلم- كما تقول البشارة عن أهل "سالع، أو سلع"؛ ولا فرق؛ فالعبرانيون لم تكن لديهم حروف تعادل الحروف المتحركة حتى القرن السادس الميلادي ولم يفرقوا بين كلمة كـ "سلع" وكلمة كـ "سالع" إلا بعد هذا التاريخ على يد علماء لغويين كثيرًا ما أخطئوا وكثيرًا ما اختلفوا؛ وخاصة مع عدم توافر الحفظ في الصدور لأي من نصوصهم المقدسة، ومن الطريف أن أغنية الأنصار التي استقبلوا بها النبي – صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة احتوت على حمد لله تعالى "وجب الشكر علينا ما دعا لله داع" تمامًا كما تنص البشارة.
أما سفر التثنية فيعين في أي بلاد العرب سيكون مهبط الوحي على النبي المنتظر – صلى الله عليه وسلم- وذلك عندما يجعل "فاران" موضع رسالة منتظرة، حين يقول: "هذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته؛ فقال: أقبل الرب من سيناء وأشرق عليهم من سعير وتألق في جبل فاران"، ومجيء الرب من سيناء يشير إلى رسالة موسى عليه السلام حيث ناداه الله وهو على أرضها؛ وإشراق الرب من سعير، يشير إلى رسالة عيسى عليه السلام؛ فجبل سعير يمتد جنوب البحر الميت شرق فلسطين حيث اعتزل المسيح عليه السلام فترة مع بني العيص أو الأسينيين؛ وأما تألق الرب من فاران فهو إشارة إلى رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم- الذي جاء من ذرية إسماعيل - عليه السلام- والذي يخبرنا سفر التكوين بأنه سكن هو وذريته بفاران عند البئر [بئر زمزم] التي منّ الله على هاجر وابنها بها إنقاذًا لهما من الموت؛ ومن هنا نفهم أن فاران هي مكة المكرمة التي بعث منها المصطفى – صلى الله عليه وسلم- ؛ ومن اللافت للنظر أن كلمة فاران باللغة العبرية تعني صيغة المبالغة من كلمة "حمد"؛ ومن ثمة فلا نعدو الحقيقة إن قلنا: إن اسم برية فاران والتي هي موضع رسالة منتظرة في التوراة يعني برية "محمد"– صلى الله عليه وسلم- .
فشبه موسى عليه السلام - حسبما يروي العهد القديم- مجيء التوراة بطلوع الفجر، ونزول الإنجيل بإشراق الشمس، ونزول الإسلام بتألق الشمس في كبد السماء وعلوها وذلك إيذانًا بأنه خاتم الأديان وأن ليس بعد كماله كمال.
ثم تتحدث أسفار أهل الكتاب بعد ذلك عن لغة النبي المنتظر ولغة قومه، فيصفهم سفر إشعياء بأنهم يتحدثون لغة أعجمية غريبة عن اليهود وذلك حين يقول: "سيخاطب الرب هذا الشعب بلسان غريب أعجمي"، أي غريب عن اليهود وأعجمي بالنسبة لهم، وهو ما لم يكن للمسيح عليه السلام وأتباعه؛ فقد كان المسيح عليه السلام رجلاً يهوديًا وكذا كان جلّ أتباعه في حياته، وإنما كان ذلك للنبي العربي محمد - صلى الله عليه وسلم-.
كما تحدثت أسفار أهل الكتاب عن ما سيكون عليه اسم المؤمنين بالنبي المنتظر، فوصفهم سفر إشعياء بأن سيكون لهم اسم آخر غير الذي كان لليهود، يقول سفر إشعياء على لسان الرب لبني إسرائيل "وتخلفون اسمكم لعنة على شفاه مختاري ويميتكم الرب ويطلق على عبيده اسمًا آخر"، وهو ما لم يكن للمسيحيين وكان للمسلمين؛ لأن هذا الاسم "مسيحيّون" لم يعرف إلا متأخرًا في أنطاكية - كما يصرح سفر أعمال الرسل من الكتاب المقدس- وكان المسيحيون يعتبرون في أول الأمر، وطيلة حياة المسيح عليه السلام على الأرض- فريقاً من اليهود، فالمسلمون هم الذين كان لهم اسم آخر غير ما كان لبني إسرائيل، وهذا الاسم الآخر يصرح به سفر إشعياء عندما يصف النبي المنتظر بأنه (رئيس الإسلام) أو السلام، فكل من السلام والإسلام بالعبرية: (شالوم)؛ فصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمين من قبل وفي هذا} الحج:78.
هذا قليل من كثير لا يتسع المقام إلا للتمثيل له، وهو ما جعل "باول شفارتزيناو" - أستاذ الثيولوجي البروتستانتية وعلوم الأديان بجامعة "دور تموند" بألمانيا- يصرح قائلاً: "إن الاعتراف بنبوة محمد الذي أطالب به موجود في جذور المسيحية"، كما جعل "كانون ماكس وارن" سكرتير جمعية التبشير الكنسية، في بحثه المقدم إلى المؤتمر التبشيري الثالث لطائفة الإنجيليين الذي عقد في كندا عام 1963م- يقول: "لقد تجلى الله بطرق مختلفة ومن الواجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لنصر على القول بأن الله كان يتكلم في ذلك الغار الذي يقع في تلك التلال خارج مكة"، يقصد بذلك الوحي إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- حين بدأ في غار حراء.
فصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 197]