طوبى للغرباء
فضيلة الشَّيخ عثمان بن محمَّد الخميس حفظه الله
الحمدُ لله وليّ الصَّالحين ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ ؛ نبيِّنا وإمامِنا وحبيبِنا وقُرَّةِ عينِنا وسيِّدنا محمَّد بنِ عبدِ الله وعلى آلهِ الطَّيِّبينَ ، أمَّا بعدُ :
فأشكرُ ابتداءً الإخوةَ القائمينَ على نشاطِ هذا المسجدِ المباركِ على جهودِهمُ المتميِّزةِ حقيقةً ، وإنْ كنتُ أزورُ هذا المسجدَ بين فترةٍ وأخرى إلا أنَّ هذه الجهودَ المتميِّزةَ ظاهرةٌ ، نسألُ الله تباركَ وتعالى أنْ يخلصَ النِّيَّاتِ ، وأنْ يُثيبَ سبحانه وتعالى كلّاً على نِيَّتهِ وأحسن مِنْ نِيَّتهِ ، وأنْ يوفِّقَ سبحانه وتعالى مَنْ لم يشاركْ في هذا الجهدِ على أنْ يشاركَ فيه ويعين إخوانَه في الله تباركَ وتعالى .
فكانَ صلواتُ الله وسلامُه عليه خاتمَ النَّبيِّينَ ، فخُتِمَتِ النُّبوَّةُ به صلَّى الله عليه وسلَّم ، وأيضاً طالما أنه ختمَ الله النُّبوَّةَ به فختمَ الشَّرائعَ كذلك بشريعتهِ ، فأكرمَ الله تباركَ وتعالى هذا النَّبيَّ وأكرمَ أمَّته معه بأنْ جعلَ لهم أحسنَ وأكملَ شرائعهِ سبحانه وتعالى ، وأيضاً أنزلَ لهم أحسنَ كُتُبهِ وهو القرآن الكريم ، ثمَّ تركَ الله تباركَ وتعالى حِفْظَ هذا الدِّينِ على هذه الأمَّةِ .
وذلك أنَّ الله تباركَ وتعالى كما تعلمونَ أرسلَ رُسُلاً كُثُر ، وأنزلَ معهم كُتُباً ، وأمرَ الله تباركَ وتعالى النَّاسَ في تلك الأزمانِ أنْ يحفظوا تلك الكتبَ ، وأنْ يتَّبعوا أولئك الرُّسُلَ ، ولكنَّ الذي وقعَ أنَّ منهم مَنِ اتَّبعَ الرُّسُلَ وأكثرهم فاسقون ، عَصَوا الرُّسُلَ وعاندوهم بل وتعدّوا على أمرِ الله تباركَ وتعالى فمسّوا الكتبَ وحرَّفوها ، كما أخبرَ الله تباركَ وتعالى عنِ اليهودِ والنَّصارى ، قالَ سبحانه وتعالى : " إنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ .... (44) "سورة المائدة ،بما استُحفِظوا مِنْ كتابِ الله تباركَ وتعالى ، فأمرَهمُ الله تباركَ وتعالى أنْ يحفظوا هذا الكتابَ ، أنْ يحفظوا التَّوراةَ ، أنْ يحفظوا الإنجيلَ ، أنْ يحفظوا الكتبَ التي أنزلها الله تباركَ وتعالى في ذلك الزَّمانِ ، ولكنَّ الذي وقعَ ماذا ؟؟
الذي وقعَ أنَّ الله تباركَ وتعالى قد أخبرَ عنهم : " ... يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ .... (41) "سورة المائدة
" يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (46) "سورة النِّساء ،فحرَّفوا الكتبَ ، ومنهم مَنْ قتلَ الرُّسُلَ ودمَّر الشَّرائعَ ، فلمَّا أرادَ الله تباركَ وتعالى أنْ يختمَ هذه المسيرةَ الطَّيِّبةَ مسيرةَ المرسلينَ جعلَ سيِّدَنا محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم خاتمهم ، وجعلَ شريعتَه خاتمةً ، وجعلَ كتابَه محفوظاً ، فتعهَّد الله تباركَ وتعالى بحِفْظِهِ فقالَ سبحانه وتعالى : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( 9 ) "سورة الحجر ، و قالَ عنْ كتابهِ العظيمِ :" لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) "سورة فصلت ،
واستمرَّ هذا الأمرُ إلى يومِنا هذا إلى أنْ تقومَ السَّاعةُ ، والله تباركَ وتعالى حافظٌ هذا الدِّينَ جلَّ وعلا ، وبذلك يطمئنُّ المسلمُ ويرتاحُ أنَّ هذا القرآنَ لنْ يُمَسَّ أبداً ، وهذا الدِّين لنْ يستطيعَ أحدٌ أنْ يُبطلَه ، بل وتعهَّد الله تباركَ وتعالى بإظهارِه فقالَ سبحانه وتعالى : " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونََ ... (33)" سورة التوبة ، أبداً على الدِّينِ كلِّه سيُظهرُه الله سبحانه وتعالى ، فَنَمْ قريرَ العينِ مِنْ هذه النَّاحيةِ ، ولكنَّ إظهارَ الله تباركَ وتعالى لهذا الدِّينِ جعلَ له أسباباً وإلا يستطيعُ سبحانه وتعالى - وليسَ ذلك بعزيزٍ على الله تباركَ وتعالى ، وليسَ الله عنه بعاجز ٍسبحانه وتعالى - أنْ يجعلَ النَّاسَ كلَّهم مسلمين ، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ ... (118) " سورة هود، أ ليسَ الله قد خلقَ الملائكةَ وجعلَهُم كلَّهم مطيعينَ له سبحانه وتعالى ، وكلَّهم عابدين ؟؟!!
الذي صنعَ ذلك بالملائكةِ ليسَ بعاجزٍ أنْ يصنعَ مِثْلَ ذلك في البشرِ ، ولكنْ لحكمةٍ أرادَها الله سبحانه وتعالى جعلَ لهذا الأمرِ أسباباً ، مِنْ هذه الأسبابِ :
أنْ هيَّأ أناساً سبحانه وتعالى ، وهؤلاء النَّاس بشَّرهمُ الله سبحانه وتعالى أنهم إذا حفظوا هذا الدِّينَ - وهو محفوظٌ بحفظِ الله تباركَ وتعالى ، ولكنْ إذا كانوا سبباً في ذلك - فإنَّ الله تباركَ وتعالى سيرفعُ قَدْرَهم في الدُّنيا وسيرفعُ قَدْرَهم في الآخرةِ ويكونونَ مقرَّبين مِنَ الله تباركَ وتعالى ، فهنيئاً لك أيها العبدُ المسلمُ إذا كنتَ مِنْ هذه الطَّائفةِ .. إذا كنتَ مِنْ هذه الجماعةِ .. إذا كنتَ مِنْ هذه الفرقةِ التي جعلَها الله تباركَ وتعالى تصلحُ ما يفسدُه النَّاسُ ، و تحيي مِنْ دينِ الله ما أماتَه النَّاسُ .
وبعدَ موتِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم استمرَّ أصحابُه بالمسيرةِ التي هيَّأها وبدأها لهم صلواتُ الله وسلامُه عليه ، واستمرُّوا على ذلك حتى جاءَ التَّابعونَ ، واستمرُّوا هكذا حتى بدأ يضعفُ الأمرُ ، ثم يعودُ النَّاسُ إلى الدِّينِ ، ويعيدُ الله لهمُ العِزَّةَ والتَّمكينَ ، ثم يضعفونَ ، ثم يعيدُ الله لهمُ العِزَّةَ والتَّمكينَ ، ثم يضعفونَ ، وهكذا دواليك حتى يرثَ الله الأرضَ ومَنْ عليها .
الآن لنْ يأتيَ رسولٌ ، ولنْ يأتيَ كتابٌ ، ولنْ تأتيَ شريعةٌ ، الرُّسُلُ خُتِمُوا ، والكتابُ تمَّ ، والشَّريعةُ اكتملتْ ، فبقيَ ماذا ؟؟؟
على مرِّ التَّاريخ نجدُ أنَّ هنالك مَنْ أرادَ أنْ يطعنَ في هذا الدِّينِ مِنْ خلالِ خمسةِ أمورٍ :
*-إمَّا أنْ يكونَ الطَّعنُ في كتابِ الله تباركَ وتعالى ...
*-وإمَّا أنْ يكونَ الطَّعنُ في سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ..
*-وإمَّا أنْ يكونَ الطَّعنُ في رفقاءِ محمَّد ( أصحاب محمَّد )صلَّى الله عليه وسلَّم ...
*-وإمَّا أنْ يكونَ الطَّعنُ في الشَّريعةِ ....
*-وإمَّا أنْ يكونَ الطَّعنُ في المتمسِّكينَ بهذا الدِّينِ .. في الملتزمينَ بالدِّينِ ....
مَنْ نظرَ إلى أحداثِ التَّاريخ ِيجدُ أنْ طعونَ الطَّاعنينَ تتوجَّه إلى هذه الأمورِ الخمسةِ ، وقد تتوجَّه إلى غيرِها ولكن التَّركيز على هذه الخمسةِ :
فحاولَ أنْ يطعنَ في هذه السُّورةِ مِنْ جهتينِ : مِنْ جهةِ أنها فقدتِ البلاغةَ وهناك مِنَ الكلامِ ما هو أبلغُ ، ومِنْ ناحيةٍ أخرى أنها فيها إطالةٌ وأنها كانَ ينبغي أنْ تختصرَ بأقلَّ مِنْ هذا كما جاءَ في كلامِ العربِ ، وما عرفَ عنِ العربِ أنهم يقولونَ :خيرُ الكلامِ ما قلَّ و دلَّ .
فجاءَ بعضُ النَّصارى فقالَ :لو قيلَ بدلَ ذلك- يعني بدلَ سورةِ الفاتحةِ - لو قيلَ :( الحمدُ للرَّحمنِ الملكِ الدَّيَّان * به الاستعانة وعليه التَّكلان * اهدنا سِرَاطَ الإيمان )فيرى أنَّ هذه الكلماتِ التي اختارَها أفضل مِنَ الفاتحةِ ، ويقولُ :هذه أفضلُ مِنَ الفاتحةِ ومختصرةٌ أكثر .
لا شكَّ كما تسمعونَ الآن ، أوَّلاً حذفَ كلماتٍ مِنْ كتابِ الله تباركَ وتعالى مقامُ الفاتحةِ عليها وهي كلمةُ "الله" سبحانه وتعالى " الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) " سورة الفاتحة، هذا الاسمُ العظيمُ ، بل ذهبَ كثيرٌ مِنَ العلماءِ إنه اسمُ الله الأعظم ، حذفَه مِنْ هذه الآيةِ ، ثم كذلك هو ما أتى بكلماتٍ جديدةٍ وإنما أتى بكلماتِ الفاتحةِ ولكنْ حرَّف فيها وحاولَ أنْ يبدِّلَ ، وكلامُه ضعيفٌ جدّاً مِنْ حيثُ ( به الاستعانة وعليه التكلان ) غير " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) " ، وكذا في قولهِ : ( الحمدُ للرَّحمنِ الملكِ الدَّيان ) فرقٌ بين ( الدَّيان ) و بين " مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) " ، فالشَّاهدُ أنهم حاولوا أنْ يطعنوا في كتابِ الله تباركَ وتعالى بمثلِ هذا الهذيانِ !! وإذا أهل البيان الذين كانوا يقولون في ذلك الزَّمان ، يقولون : نحن أهلُ البيان ومَنْ عدانا عجم .
بل إنه وَرَدَ أنَّ بعضَ المشركينَ جاءَ و علَّق قصيدةً على الكعبةِ يسبُّ فيها دينَ الله تباركَ وتعالى ويسبُّ فيها الرَّسولَ والمسلمين ، فغضبَ أحدُ الصَّحابةِ مِنْ ذلك ، وكانَ مِنْ عادتهم أنهم يعلِّقونَ هذا الكلامَ (الذي هو الشِّعر) يعلِّقونه على الكعبةِ وينتظرون مِنَ الغدِ فيجدون الرَّدَّ عليه ، يكتبُ أيضاً ويعلّق في اللَّيلِ ، فيُصبحونَ فيجدونَ الرَّدَّ ، وهكذا .. على الكعبةِ يعلِّقونها ، فعلَّق هذه على الكعبةِ ينتظر مِنَ الغدِ أنْ يردَّ عليه ، فجاءَ أحدُ الصَّحابةِ فوجدَ هذا الكلامَ ، الذي هو الشِّعر الذي فيه سبٌّ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسبٌّ للدِّينِ وسبٌّ لأصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فغضبَ لله تباركَ وتعالى فكتبَ ردّاً عليه ، كتبَ ماذا ؟؟
علَّق بجانبِ شِعْرِهِ سورةَ الرَّحمن ، فلمَّا جاءَ ذلك الرَّجلُ ينتظرُ رَدّاً ، فلمَّا قرأ وإذا الرَّدُّ ليسَ كما أرادَ !! وإنما هو كلامٌ فوق كلامِ البشرِ !! فلمَّا قرأ ذلك الكلامَ عَجِبَ منه وأعجِبَ به ثم أسلمَ لله ربِّ العالمينَ .
أولئك القومُ عرفوا قيمةَ هذا القرآنِ الكريمِ ولذلك لم يحاولوا مجرَّد محاولةٍ على أنْ يأتوا بقرآنٍ مِثْلهِ لأنهم عرفوا ما هو هذا الكتابُ .
على كلٍّ تمثَّلتِ الطُّعونُ في كتابِ الله تبارك و تعالى في ثلاثةِ أمورٍ:
*-الطَّعن في القرآنِ الكريمِ مِنْ حيثُ القراءات .
يعني كيفَ يكونُ للقرآنِ الكريمِ أكثر مِنْ قراءةٍ ؟؟؟
وهذا مِنْ تيسيرِ الله تباركَ وتعالى ، ولذلكَ قالَ أهلُ العِلْمِ في هذه القراءاتِ : إنَّ هذه القراءاتِ ممكنٌ أنْ تقسمَ إلى قسمينِ :
القسم الأوَّل :هي ما اختلفتْ لفظاً واتَّفقتْ معنىً ، المعنى واحد وإنْ كانَ اللَّفظُ يختلفُ ، مِثْل قولِنا :
" اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) " أو "اهدِنَا الزراطَ المُستَقِيمَ (6)" بالزَّاي مشمومة سيناً ، فهذه قراءةٌ لأنَّ العربَ بعضهم كانوا يسمِّي الطَّريقَ سِرَاطاً و بعضُهم يسمِّيه زراطاً بالزَّاي ولكنها مشمومة سيناً .
فَمِنْ حيثُ اختلافِ القراءاتِ إمَّا أنْ يكونَ الاختلافُ في اللَّفظِ دونَ المعنى كـ (الصِّرَاطوالزراط) فيكونُ الاختلافُ في اللَّفظِ دونَ المعنى وذلك لمراعاةِ ألسنةِ العربِ في ذلك الزَّمانِ .
ألسنةُ العربِ مختلفةٌ في ذلك الزَّمانِ فلذلك تسهيلاً عليهم جاءتِ القراءةُ هكذا ، وجاءتِ القراءةُ هكذا مِثْل (حَسِبَ وحَسَبَ ) ، بعضُهم يقولُ (حَسِب) وبعضُهم يقولُ (حَسَب ) ، فجاءتْ قراءتانِ (حَسِبَ وحَسَبَ) ، وهكذا الصِّراط والزراط .
* وإمَّا أنْ تكونَ للإتيانِ بمعنىً جديدٍ مِثْل قول الله تباركَ وتعالى : " وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (125)" سورة البقرة، و "وَاتَّخَذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى" ، أو قول الله تباركَ وتعالى في كتابهِ العزيزِ عن قِصَّةِ يوسفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مع إخوتهِ ، وذلك لما اتهموا يوسفَ صلواتُ الله وسلامُه عليه بالسَّرقةِ ، وأنه كما قالوا ليوسفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : " قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ...(77) " سورة يوسف، وجاءتْ " فقد سُرَق أخٌ له مِنْ قبلُ " يعني أنَّ أخاه سُرِقَ .
فالقصدُ أنَّ هذه القراءاتِ إذا جاءتْ إمَّا أنْ تكونَ لمعنىً جديدٍ ، وإمَّا أنْ تكونَ هذه القراءاتُ لمراعاةِ ألسنةِ العربِ ، هذا كلّه كما قالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنَّ هذا القرآنَ أنزِلَ على سبعةِ أحرفٍ كلّها كافٍ شافٍ " .
* وإمَّا أنْ يكونَ الطَّعنُ في القرآنِ الكريمِ عن طريقةِ جمعهِ ،وكيفَ جمعَه أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟؟؟
وأنه يمكنُ أنه سقطَ عنهم بعض الآيات أو وضعوها في غيرِ محلِّها وهذا أيضاً باطلٌ ، وذلك أنَّ الصَّحابةَ رضيَ الله عنهم اعتنَوا عنايةً شديدةً بجمعِ القرآنِ الكريمِ ، حتى إنَّ زيدَ بنَ ثابت لما كُلِّفَ بجمعِ القرآنِ الكريمِ ماذا قالَ ؟
قالَ : والله لو كُلِّفْتُ بنقلِ جبلٍ مِنْ مكانٍ إلى مكانٍ كانَ أهون عليَّ مِنْ جمعِ القرآنِ الكريمِ .
وعلى كلٍّ هذه القضايا ، قضيَّة القراءات أو قضيَّة النَّاسخ والمنسوخ أو قضيَّة جمع القرآن لا شكَّ أنَّ كلَّ واحدةٍ مِنْ هذه تحتاجُ إلى محاضرةٍ وحدَها ، ولكنْ أردتُ أنْ أبيِّنَ أنَّ الطَّعنَ في كتابِ الله تباركَ وتعالى إمَّا أنْ يكونَ متوجِّهاً إلى القراءاتِ ، وإمَّا أنْ يكونَ متوجِّهاً إلى النَّاسخ والمنسوخ ، وإمَّا أنْ يكونَ متوجِّهاً إلى طريقةِ الصَّحابةِ في جمعِ القرآنِ الكريمِ .
* ثم كذلك حاولوا الطَّعنَ في سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّموكذلك الطَّعن في سنَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في طريقةِ جمعِها ، أي جمعِ سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ في تأخُّر كتابتها كما زعموا وغير ذلك ، فأمَّا طريقةُ جمعِ السُّنةِ فإنها جُمِعَتْ جمعاً عجيباً ، وقد هيَّأ الله تباركَ وتعالى لذلك أناساً كما هيَّأ لجمعِ القرآنِ أناساً ، وسنتكلَّم عن هذا في آخرِ المحاضرةِ وهو كيف أنَّ الله هيَّأ سبحانه وتعالى للقرآنِ وللسُّنةِ وللشَّريعةِ قوماً حفظوا لنا هذا الدِّينَ العظيمَ ، فطعنوا في سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ حيثُ جمعها ،كيف جُمِعَتْ هذه السُّنةُ ؟
فنقولُ هذه السُّنةُ ، أي سنَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جُمِعَتْ بطريقةٍ عجيبةٍ جدّاً ، وذلك أنَّ الرَّجلَ كانَ يسافرُ اللَّيالي والأيامَ على قدميهِ أو على حمارٍ أو على بغلٍ لأجلِ حديثٍ واحدٍ ، تثبُّتاً في سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، حتى لا يُتقوَّل على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما لم يقلْه ، ولأهلِ العِلْمِ في ذلك حكاياتٌ وحكاياتٌ يطولُ المقامُ في ذِكْرِها .
*-مِنْ ذلك ومِنْ أشهرِها رحلة شعبةَ بنِ الحجَّاج رحمه الله تباركَ وتعالى ، حيثُ رحلَ مِنَ البصرةِ إلى مكَّةَ ، ثم إلى المدينةِ ، ثم إلى الكوفةِ ، ثم رجعَ إلى البصرةِ ؛ في سبيلِ البحثِ عنْ حديثٍ واحدٍ فقط .
ثم دُوِّنتِ الكتبُ وجُمِعَتْ سنَّةُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كما قامَ بذلك جهابذةُ أهلِ العِلْمِ مِنْ أمثالِ الإمام مالك ، والإمام الشَّافعيّ ، والإمام أحمد ، والإمام البخاريّ ، ومسلم ، وأبي داود ، والتِّرمذيّ ، والنّسائيّ ، وابن ماجه ، و الدَّار قطني ، وابن خزيمة ، وابن حِبَّان ، والحاكم ، والبيهقيّ ، وغيرهم كثير مِنْ أهلِ العِلْمِ ممنْ قاموا بجمعِ هذه السُّنةِ النَّبويَّةِ المشرَّفةِ .
يرحلُ الواحدُ منهم خمسَ عشرةَ سنةً ، يتغرَّب عن أهلهِ في سبيلِ جمعِ سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، مع الحاجةِ ونقصِ المواردِ وصعوبةِ السَّفرِ ، كلُّ هذا في سبيلِ ماذا ؟؟
*-كانَ يقولُ ابنُ أبي حاتم رحمه الله تباركَ وتعالى عن أبيه وعمِّه أبي زُرْعَة ، أبو حاتم وأبو زُرْعَة سافرا في البحثِ عنْ سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وحضور دروس المشايخ ونقلِ سنَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى إنهم كانوا يحضرون الدُّروسَ مِنَ النَّهارِ إلى المغربِ ، ثم يرجعونَ البيت مِنَ المغربِ إلى قريبِ الفجرِ وهم يكتبونَ .. يدوِّنون الذي درسوه ، ثم ينامون قليلاً ويستيقظونَ الفجرَ و يذهبون إلى المشايخ وينقلون الدُّروسَ عنهم حتى المغرب ، ويرجعونَ بعد ذلك إلى اللَّيلِ ، وهكذا ...
يتبع بإذن الله ...
يتبع بإذن الله ...