لا شك أن الناس تجاه ايات القرأن الكريم فريقان:
** فريق استغلق على فهمه بعض اي القران الكريم واستعصى عليه معناه؛ وكان منهجهم هو اللجوء الى أهل الذكر يسألونهم ويتعلمون منهم، وهذا لا اشكال فيه.
**وأما الفريق الثاني فأولئك الذين عناهم الله تعالى بقوله:
{فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}.قال القرطبي:قال شيخنا أبو العباس رحمه الله:
متبعوا المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه طلبا للتشكيك في القرأن واضلال العوام ؛وهذا ما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرأن. أوطلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه، كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن الله عز وجل جسم مجسم وصورة مصورة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. أويتبعوه على جهة ابداء تأويلاتها وايضاح معانيها. أو كما فعل صبيغ بن عسل-بكسر العين- حين أكثر على عمر فيه السؤال.
فهذه أربعة أقسام:
×الأول : لا شك في كفرهم، وأن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة.
×الثاني: القول بتكفيرهم، اذ لا فرق بينهم وبين عبّاد الأصنام والصور، ويستتابون؛ فان تابوا والا قتلوا كما يفعل بالمرتد.
×الثالث:اختلفوا في جواز ذلك بناء على الخلاف في جواز التأويل. وقد عٌلم أن مذهب السلف ترك التعرض للتأويل مع قطعهم باستحالة الظاهر.
وذهب بعضهم الى ابداء تأويل الأية وحملها على ما يصح حملها عليه في اللسان من غير قطع بتعيين مجمل منها.
×الرابع:الحكم فيه هو الأدب البليغ -يعني التأديب-كما فعله عمر بصبيغ.
و قد كان الائمة من السلف يعاقبون من يسأل عن تفسير الحروف المشكلات في القرأن؛ لأن السائل ان كان يبغي بسؤاله البدعة واثارة الفتنة، فهو يستحق النكير. وان لم يكن ذلك مقصده فانه يعاقب لأنه أوجد للمنافقين والذين في قلوبهم مرض الى أن يسلكوا مسلكه بالتشكيك والتضليل وتحريف القرأن.
وقد ذكر لنا الامام القرطبي صورة الفريق الأول، بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:
تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذّكرالا أولوا الألباب}.
قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(اذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم)).
وعن أبي غالب قال:كنت أمشي مع أبي أمامة وهو على حمارله، حتى اذا انتهى الى درج مسجد دمشق فاذا رؤوس منصوبة، فقال ما هذه الرؤوس؟ قيل: هذه رؤوس خوارج يجاء بهم من العراق.
فقال أبو أمامة: كلاب النار . كلاب النار . كلاب النار. شر قتلى تحت ظل السماء، طوبى لمن قتلهم وقتلوه-يقولها ثلاثا- ثم بكى. فقلت :ما يبكيك يا أبا أمامة؟ قال: رحمة لهم، انهم كانوا من أهل الاسلام فخرجوا منه. ثم قرأ:{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ايات محكمات} الى اخر الأيات، ثم قرأ:
{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات}.
فقلت: يا أبا أمامة، هم هؤلاء؟ قال نعم. قلت:أشيء تقؤله برأيك أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: اني اذا لجريء..اني اذا لجريء. بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس ولا ست ولا سبع -ثم وضع أصبعيه في أذنيه- ، قال:والا فصمتا
قالها ثلاثا.-أي دعا على أذنيه بالصمم ان لم يكن سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم-
ثم قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(تفرقت بنو اسرائيل على احدى وسبعين فرقة،
واحدة في الجنة وسائرهم في النار، ولتزيدن عليهم هذه الأمةُ واحدةً. واحدة في الجنة وسائرهم في النار)).
أما صورة الفريق الثاني وهم المجسمة الذين يفسرون الأيات التفسير الجسمي المعهود في المحدثات
فاءن أمرهم لا يحتاج الى التمثيل فهو واضح جلي.
وأما الفريق الثالث وهم الذين يتتبعون الأيات من جهة ابداء تأويلاتها وايضاح معانيها، فالخلاصة أن
العلماء في هذه الايات على مذهبين:
-1 مذهب السلف، وهم الذين لا يتعاطون التأويل تماما مع القطع باستحالة الظاهر، مثلما رُوي عن الامام مالك رضي الله عنه حينما سُئل عن الاستواء في قوله تعالى:
{الرحمن على العرش استوى}، قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والايمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وصاحبه يؤدب.
-2 مذهب الخلف، وهم الذين يؤولون الاية بما يتفق مع معانيها،لصرفها عن ظاهرها، مثل تأويل اليد بالقدرة. والعين بالعلم. والعرش بالملك..ونحو ذلك.
وأما الفريق الرابع والأخير فكما قلنا ما حدث مع عمر ابن الخطاب وصبيغ بن عسل حينما قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القران وعن أشياء، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فبعث اليه وأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل. فلما حضر قال له عمر:من أنت؟قال: أنا عبد الله صبيغ. فقال عمر:
وأنا عبد الله عمر، ثم قام اليه فضرب رأسه بعرجون فشجه، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه
فقال:حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب ما كنت أجد في رأسي.
والخلاصة من هذا أننا نؤمن لله تعالى بكل ما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه و سلم، اذ أن الله تعالى أعلم بذاته، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق به، بما علمه ربه عز وجل.فالخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع.
هذا وأسأل الله تعالى لي ولكم السلامة في ديننا ودنيانا، كما أسأله تعالى أن ينفعنا بهذه الأسطر القليلة، انه الولي لذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه.
بتصرف عن كتاب ‘‘هذا القرأن فأين منه المسلمون ،،لكاتبه محمد زكي الدين محمد قاسم